Canalblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

alqalam

20 février 2007

مغرب التحولات

بقلم الدكتور جمال الدين بنحيون

7952081_m

في السنوات الأولى من الألفية الجديدة تمكن المغرب بفضل جلالة الملك أن يحقق تحولات تاريخية: أصبح المغرب نموذجا ديمقراطيا متألقا على مستوى العالم العربي وعلى مستوى القارة الإفريقية؛ وتمكن المغرب من إصلاح منظوماته الاجتماعية، وفي طليعة تلك الإصلاحات تأتي عملية إصلاح مدونة الأسرة؛ وتمكن المغرب من بلورة استراتيجية اجتماعية واضحة تتجه نحو محاربة الفقر والهشاشة الاجتماعية؛ وأصبح المغرب أكثر اندماجا في محيطه الإقليمي والعربي والدولي. لقد حقق المغرب في أقل من ست سنوات ما لا تستطيع الكثير من الأقطار تحقيقه في عشرات السنين رغم مواردها الطبيعية وثرواتها. الذي يتتبع المشهد المغربي اليوم، لا يمكنه إلا أن يقتنع أن المغرب في تحول دائم وإيجابي نحو المستقبل. مغرب المستقبل لن يكون إلا قويا ومتماسكا ومنفتحا ومتطورا ومتفاعلا وفاعلا بفعل ما نلمسه اليوم من إصرار عند جلالة الملك بتحويل المغرب إلى ديمقراطية نموذجية في جنوب المتوسط. لقد اختار المغرب عن قناعة الديمقراطية والتعددية والتطور والسلم والنماء. إن خيارات المغرب الإستراتيجية تعني أن للمغرب ثقة تامة في تحويل فضاء المتوسط إلى مجال للسلم والتعايش والتعاون والأمان. لم يختر المغرب التسلح والهيمنة والتسلط، بل اختار النماء والتطور والازدهار الاجتماعي؛ وتعني هذه الخيارات أن المغرب سيلعب دورا رئيسيا في مستقبل المتوسط من حيث ضمان الاستقرار فيه والتعاون والتعايش في إطاره. إن المغرب يتجه نحو تقوية علاقاته مع جيرانه، متجاوزا بذلك أسباب الخلاف والتنافر. ويستمد المغرب هذا الدور من ثقته بنفسه وانسجامه مع تطلعاته وتوجهاته. وعلى الدول المجاورة أن تدعم خيارات المغرب الكبرى لأن في ذلك دعم للاستقرار والسلم في المنطقة. علاقاتنا متميزة مع جيراننا في شمال المتوسط، ويمكن لهذه العلاقات أن تتطور أكثر فأكثر في إطار التفاعل والتعاون والاحترام المتبادل. إننا مقتنعون أن المغرب سيتحول في غضون سنوات قليلة إلى مركز إشعاع في غرب المتوسط. ويتميز المغرب ببنية ثقافية واجتماعية تؤهله إلى استيعاب مختلف أنماط التحول الإيجابية. سيكون المغرب بلا شك زاوية استقرار وأمان لفضاء المتوسط وسيتحول إلى مجال مفتوح للإنتاج والاستثمار والتبادل؛ وكما كان على مدى الأحقاب، سيبقى المغرب أرض التعايش والتواصل والسلام

Publicité
19 février 2007

ضد من تتسلح الجزائر؟

بقلم الدكتور جمال الدين بنحيون 

drbenhayoun@hotmail.com

sriimg20040118_4643658_0

عقدت الجزائر مؤخرا صفقة بمليارات الدولارات بهدف اقتناء أسلحة روسية متطورة وإعادة تأهيل الجيش الجزائري وتحديث آلياته. وقد حظيت هذه الصفقة الروسية-الجزائرية باهتمام إعلامي خاص اعتبارا لحجمها ولانعكاساتها الإقليمية والدولية، ونظرا لأنها صفقة أبرمت عند زيارة الرئيس الروسي للجزائر في العاشر من مارس 2006.

ومن الواضح أن للجزائر، التي حاولت منذ انهيار الاتحاد السوفييتي تنويع مصادر قطعها العسكرية، مطامح إستراتيجية وعسكرية على المستوى الإقليمي. فهي تسعى بإصرار إلى التحول إلى قوة عسكرية مهيمنة على مستوى المغرب العربي، بإمكانها فرض أجنداتها العسكرية والإستراتيجية على دول الجوار. ولا نحتاج إلى اجتهاد فكري خارق لنستنتج أن السلاح الجزائري موجه بالأساس ضد مصالح المغرب العسكرية والترابية والوطنية. فالجزائر هي الداعمة الأكبر للانفصاليين الصحراويين، وهي التي لم تذخر جهدا، في العلن كما في السر، منذ السبعينات إلى اليوم في محاولة عرقلة المسيرة التنموية للمغرب وحرمانه من وحدته الترابية المشروعة.

وقف المغرب غير ما مرة مع الجزائر أثناء الاستعمار الفرنسي وبعده، ولم تقف هي أبدا مع المغرب باعتباره بلدا مجاورا وشقيقا، بل كانت دائما خصما للمغرب ومتربصة به وبحقوقه وقضاياه في المحافل الدولية وفي المنتظمات القارية. وليس هناك ما يفسر هذا التحامل الكبير على المغرب سوى أن الجزائر تعاني من عقدة تاريخية من ناحية المغرب باعتباره دولة ذات تاريخ ضارب في القدم، وباعتباره مملكة مستقرة ومتنورة، وبوصفه دولة مؤسسات ديمقراطية واجتماعية، ولأن للمغرب سياسة خارجية تتسم بالتوازن والمرونة والجنوح إلى السلم والحوار.

إن المتتبع للتاريخ الجزائري منذ الاستقلال إلى اليوم سيلمس عن قرب أن سياسة الجزائر تحكمها المفارقات والتناقضات والتقلبات، والعنف والأحقاد والاحتقان الاجتماعي، والمزاجية والتوتر وقصر النظر. لم تنفتح الجزائر على الممارسات الديمقراطية إلا حديثا، إلا أنها لم تفلح حتى الآن من الاستفادة من درس الديمقراطية الذي يرمي إلى تقوية البنيات الاجتماعية وتحرير القرار السياسي من قبضة السلطة العسكرية وتوطين الاستقرار محليا وإقليميا.

إن الدول الديمقراطية لا تعادي بعضها بعضا، بل تتكتل فيما بينها في مجموعات متكاملة ومتوازنة. وللجزائر للأسف رؤية عدائية لمستقبل المغرب العربي. فسلاحها موجه ضد شعوب المغرب العربي فقط. فهي لا تتسلح ضد دول شمال المتوسط أو ضد دول جنوب الصحراء بل على الأرجح ضد المغرب وتونس وموريتانيا وليبيا أو ربما ضد شعبها في الداخل الذي ابتلي عبر السنين بويلات الاستعمار وقهر نظام الحزب الواحد الأوحد وطاحونة الحرب الأهلية التي ترتبت عن انتخابات دجنبر 1991.

تتسلح الجزائر لأنها ترى أن مستقبل المغرب العربي في الحرب وليس في الرخاء والتواصل والتكتل والتقدم والديمقراطية والانفتاح والمصالحة والتعاون. لذلك، فإنني أرى أنه من الواقعية، بل من اللازم، أن تطرح الأمانة العامة للمغرب العربي سؤالا وجيها وصريحا ومباشرا على الدولة الجزائرية، يمكن صياغته كالآتي: "ضد من تتسلح الجزائر؟" سيكون هذا السؤال مربكا حتما لأصحاب القرار في الجزائر سواء على المستوى الداخلي أم على المستوى الخارجي.

يستنزف التسلح ثروات الشعوب، ويخلق مناخا ينتصر فيه الرعب والهلع على الطمأنينة والسلام. وهو لا يقوي الدول غير المستقرة وغير الديمقراطية، بل يضعفها ويزيد من تخلفها وتراجعها ويفوت عليها فرص النماء الاجتماعي والاقتصادي والتطور والتحديث. فماذا استفادت الجزائر من أسلحتها وعتادها الحربي منذ الاستقلال حتى الآن؟ لم تحقق إلا عداء مستمرا لمصالح المغرب العليا، وخلقت مناخا اجتماعيا وسياسيا غير مستقر داخل الجزائر، وأجهزت على طموحات شعوب المغرب العربي نحو الوحدة والتقدم والازدهار.

لم تستفد الجزائر حتى اليوم من الدرس المغربي في السلم الاجتماعي والديمقراطية والانفتاح ومن الدرس التونسي في التطور الاقتصادي والاستقرار السياسي. فالجزائر هي التي تعيق مشروع بناء مغرب عربي موحد ببرامجها العسكرية ومخططاتها العدائية، وليس المغرب أو تونس.

وليس من المبالغة إن قلنا أن صفقات الجزائر العسكرية يراد منها شن حرب جانبية وخفية ضد مسلسل الإصلاح الديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب بجدية وشجاعة قصد إغوائه لمجاراتها في التسليح وإبرام الصفقات العسكرية على حساب برامجه الاجتماعية والاقتصادية. فأولويات المغرب اليوم بفضل سياسة جلالة الملك هي اجتماعية وسياسية واقتصادية بالدرجة الأولى وليست عسكرية أو حربية. يوجه المغرب اليوم ترسانته الشاملة لمحاربة الفقر، وترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتقوية البنيات الاجتماعية والاقتصادية، وتأهيل القطاعات الحيوية لمواجهة تحديات العولمة والتحولات العالمية الطارئة.

فعلى المغرب في جميع الأحوال أن لا يجاري الجزائر في صراعها مع ذاتها ضد مصالح شعوبها وشعوب المغرب العربي الغارقة في التخلف والعزلة والمشاكل الاجتماعية. للمغرب سمعة دولية تمكنه من نسج تحالفات استراتيجية مع الدول الحليفة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا؛ وبذلك لن يحتاج إلى إهدار أمواله في التسلح وتقويض برامجه العقلانية والمتنورة من أجل الإصلاح والتحديث والتقدم. إن سلاح الجزائر موجه ضد الخطط التي أعلن عنها جلالة الملك غير ما مرة من أجل أن يصبح المغرب ديمقراطية نموذجية في العالم العربي.

19 janvier 2007

وزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان ورئيس بلدية شفشاون السيد سعد العلمي

بداية نرحب بك السيد الوزير ونود أن تقربنا من واقع المسرح بمدينة شفشاون؟

تعرف مدينة شفشاون حاليا نشاطا مسرحيا جيدا في إطار وصل الحلقات السابقة، فالحركة المسرحية ابتدأت بشفشاون منذ الأربعينات ومنذ ذلك  وحلقتها متواصلة، وهي تعرف حاليا انطلاقة جديدة من خلال تجارب وإبداعات وطاقات حية حيث  تضم المدينة عدة جمعيات على رأسها جمعية ابنوم Apinom ، وهي جمعية مسرحية سبق لها أن حصلت على جوائز وطنية وعربية، وهي جمعية لا تزال تشتغل وتنظم بمدينة شفشاون مهرجانا سنويا أو أياما مسرحية في كل صيف تستدعي لها فرق مسرحية من المغرب ومن الخارج، إضافة إلى جمعيات أخرى .

كيف ترى المهرجان الوطني لمسرح الشباب في دورته الثالثة؟

للأسف لم أتتبع كل العروض التي قدمت، ولكني احيي المهرجان الوطني باعتباره فضاءا آخر من خلاله يعبر الشباب  - بالخصوص - الممارس للمسرح عما يختزنه من طاقات إبداعية، إذن فهذا المهرجان يسمح للشباب لإبراز مواهبه .

ما هي مشاريعكم المستقبلية لدعم شباب شفشاون في شتى الميادين؟   

   شخصيا اعمل على دعم المسرح بمدينة شفشاون، واعتقد أن الدعم يبتدئ بتوفير المسائل المادية والمعنوية للعمل المسرحي، وقبل كل هذا يبتدئ بتوفير البنية التحتية الملائمة لممارسة العمل المسرحي، وفي هذا الإطار نحن الآن بصدد تشييد قاعة مغطاة متعددة الاختصاصات لاحتضان مختلف الأنشطة وفي مقدمتها المسرح، كما أننا  أنجزنا مسرحا عاريا بالمدينة، إلى جانب المسارح الأخرى التي تحتضنها المدينة، كدار الشباب وقاعة المسيرة الخضراء .

18 janvier 2007

في ضيافة كتابة الدولة المكلفة بمحاربة الأمية وبالتربية غير النظامية

في ضيافة كتابة الدولة

المكلفة بمحاربة الأمية وبالتربية غير النظامية

الأمية في المغرب كما في بلدان العالم تشكل العائق القوي و الكبير أمام كل تنمية و تطور، و عدم التمدرس

لسبب أو لآخر، و كذا الانقطاع المبكر عن الدراسة ، يفضيان حتما إلى أمية ناشئة توسع قاعدة الأميين و تدفع في اتجاه تضخيم أعدادهم ، و بالتالي تخلق المزيد من المتاعب للمجتمع..

و قد أحدثت لأول مرة في تاريخ المغرب كتابة للدولة تعنى  بالملف عن قرب ، و لو أن الحتمية والواقع يفرضان أن تكون وزارة مستقلة لضمان شمولية و اتساع تدخلها ، و للوقوف على استراتيجية هذا القطاع الحكومي و أدائه و ما تم  تحقيقه ، و كذا المعيقات و الإكراهات المطروحة ، كان لنا اللقاء التالي مع السيد الحبيب ندير مدير محاربة الأمية و السيد احساين أجور مدير التربية غير النظامية باعتبار المديريتين اللتان تتشكل منهما كتابة الدولة لدى وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي المكلفة بمحاربة الأمية وبالتربية غير النظامية .

*  س : السيد مدير محاربة الأمية، في البداية، هل لكم أن تطلعوا الرأي العام الوطني عن استراتيجية كتابة الدولة في مجال محاربة الأمية و التربية غير النظامية؟

*  ج : مرحبا بجريدة القلم، أولا لابد من التذكير –قبل التطرق إلى الاستراتيجية- بوضع الأمية في المغرب كما جاء في الإحصاء العام لسنة 2004 و الذي قدر نسبة الأمية بــ 43% للفئة العمرية 10 سنوات فما فوق، منها 60.5 بالوسط القروي و 54.7 لدى العنصر النسوي، و أمام هذه الوضعية تبنت الحكومة المغربية سنة 2004 استراتيجية محكمة و مندمجة تتمحور حول عشرة محاور. كما أسند تنفيذ هذه الاستراتيجية إلى كتابة الدولة  المكلفة بمحاربة الأمية و بالتربية غير النظامية التي تبنت بدورها مقاربة جديدة في التعاطي مع الملف من خلال ثلاثة أبعاد :

      - البعد الوقائي و يهدف إلى الحد من ظاهرة الانقطاع المدرسي كإجراء يتوخى القضاء على الأمية           من منبعها. 

      - البعد الثاني: برامج التربية غير النظامية التي تستهدف أطفال المرحلة العمرية 8 – 15 سنة.

      -  البعد الثالث : برامج محاربة الأمية التي تهم شريحة 16 سنة فما فوق.

و داخل محاربة الأمية نفسها نعمل على ثلاثة محاور: محور تعليم القراءة والكتابة و الحساب،  و محور التكوين الحرفي ، ثم محور مساعدة المستفيدين من برامج محو الأمية على خلق أنشطة مدرة للدخل.

* س : السيد المدير،  أطلقتم شعار "المليون مستفيد" من محاربة الأمية كل سنة ، فأين وصلت النتائج هذه السنة؟ و هل هناك إكراهات و معيقات تواجه تحقيق هذا المبتغى؟

* ج : يجدرالتذكير هنا بأن هذا العدد  "المليون" جاء انطلاقا من الأهداف الاستراتيجية التي جاء بها الميثاق الوطني للتربية و التكوين في دعامته الثانية ، إذ حدد كهدف تقليص النسبة العامة للامية إلى أقل من 20%  في أفق سنة 2010 و المحو  الشبه التام لهذه  الآفة في أفق سنة 2015، و بعملية حسابية، إذا أردنا بلوغ هاته المحطات يتوجب اعتماد التوجه الرامي إلى محو أمية مليون مستفيد سنويا، و هذا عمل ضخم حتم قطع أشواط مهمة و إشراك عدد من المتدخلين و توسيع مجالات تدخلهم انطلاقا من  مبدأ أن القضاء على آفة من هذا الحجم  لا يمكن لقطاع كيفما كان حجمه أن يقضي عليها و حده ، و النتائج المحصل عليها لحد الآن تبعث على الارتياح، و تشير إلى تحسن ملموس في ارتفاع عدد المستفيدين الذي بلغ هذه السنة وحسب عدد المسجلين المتوصل به إلى غاية 16/05/2006 حوالي 601799مستفيدة ومستفيد، و هو رقم قياسي بالمقارنة مع السنة الماضية مثلا و التي لم تتجاوز فيها التسجيلات  470 ألف مستفيد ، و يؤكد كذلك أننا نسير بوثيرة تصاعدية ستؤمن لنا تحقيق الأهداف المنشودة، و تجدر الإشارة إلى أن معالجة ملف من هذا الحجم و بخصوصياته المتميزة لابد و أن تعترضه إكراهات و معيقات، أولها الإكراه المالي في عموميته      ،و منه الاعتماد المرصود لكتابة الدولة و الذي ننتظر أن يكون بإمكانه إعطاءنا هامشا أكبر للتغلب على مختلف الصعوبات، و هذا في حد ذاته يجعلنا في تفاعل إيجابي مع كل مكونات المجتمع التي تساهم بشكل فعال في هذا الورش الأمر الذي يجعلنا نطمئن إلى الأداء الذي تؤديه كتابة الدولة  ولو أن طموحنا يبقى أكبر لما هو أكبر.

* س : السيد المدير، أسستم لهيكلة المصالح الخارجة التابعة لكتابة الدولة على صعيد  الأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين و النيابات الإقليمية، فكيف تقيمون هذه الخطوة؟

* ج : تقييم إيجابي و إيجابي جدا لعدة أسباب: يمكن تلخيصها في كوننا  نسير بخطى ثابتة نحو إرساء اللامركزية و اللاتمركز ، كما  أنه لا يمكن أن نفكر في عمل لصيق بالميدان بمديرية أو بمديريتين  أو بإدارة مركزية فقط، بل يجب أن يكون هناك من يدير هذا الملف على صعيد كل جهة و كل  إقليم، و  فعلا هذا مكسب كبير لمجال محاربة الأمية و التربية غير النظامية ، و رغم أنها لحد الآن ليست ضمن هيكلة رقمية    ولكنها موجودة و ذات كفاءات مهنية و وظيفية  استطعنا أن نرقى بتكوين أطرها إلى مستوى جيد، و أخذت تظهر ثمار  هذه الخطوة في عدة مجالات منها ارتفاع أعداد المسجلين التي وصلنا إليها و الجودة التي أصبحت تتحلى بها برامج محو الأمية، بالإضافة إلى أن نسبة التسرب داخل هذه البرامج التي أضحت ضعيفة، و أصبح أيضا وجود مخاطب لجميع المتدخلين على الصعيد الإقليمي و الجهوي يتتبع و يخطط وينفذ ويقوم ، كما لا تفوتني الإشارة إلى أن كتابة الدولة فسحت المجال بشكل أوسع لهذه المصالح أمام حرية اتخاذ المبادرة و البحث عن آليات داعمة انطلاقا من خصوصيات كل إقليم و جهة و كذا من خلال إشعاعها و تواصلها وطنيا و دوليا أيضا ، وكدليل نذكربأن مجموعة من النيابات الإقليمية أقامت تظاهرات من الحجم الكبير مثل نيابة إقليم الخميسات التي نظمت المناظرة الإقليمية الأولى حول دور الجمعيات في التنمية المحلية ، ونيابة إقليم أكادير إداوتنان التي نظمت الأسبوع التربوي في مجال محو الأمية والتربية غير النظامية ، ونيابة إقليم الجديدة التي نظمت ورشة دولية حول محو الأمية الاجتماعية ومبادرات التنمية بإفريقيا في إطار تعاوني ما بين النيابة والشبكة الدولية التضامنية للفاعلين والمتدخلين في محو  الأمية"AOSIR " ونيابة سيدي قاسم التي نظمت الملتقى الإقليمي الأول لمحاربة الأمية والتربية غير النظامية.

* س : السيد المدير، أعلن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في 18 ماي 2005 المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فهل لكم أن تعطونا لمحة عن إسهام كتابة الدولة في أجرأتها من خلال الاختصاصات الموكولة إليها؟

* ج : هنا لابد  من الإشارة إلى أنه لا يمكن أن نقوم بتنمية بشرية لفئة أمية دون محو أميتها ، باعتبار العلاقة الوطيدة بين الفقر و الأمية ، و باعتبار محو الأمية يعتبر عاملا محددا للرفع من مستوى النسيج الاقتصادي كما جاء في الميثاق الوطني للتربية و التكوين ، و باعتبار الأمية مشكلة كبيرة لها علاقة مع جميع جوانب الحياة، و هذه فرصة لنا جميعا كمغاربة ،  و مادامت تستهدف العنصر البشري لابد أن يكون هناك  لنا دور خاص داخل المبادرة الوطنية ، و بالفعل قمنا بعدة إجراءات عملية انطلاقا من تأسيس اللجن الإقليمية برئاسة عمال الأقاليم ، كما وقعت مجموعة من الاتفاقيات أذكر منها على  الخصوص اتفاقية الشراكة مع الفيدرالية الوطنية لجمعيات القروض الصغرى بهدف تمكين المستفيدين من برامج محو الأمية من الاستفادة من قروض تساهم في خلق مشاريع مدرة للدخل ،  و نفس الشيء  نحن بصدده مع عدة جماعات محلية لتحسين مستوى عيش الفئات المستهدفة ، و هنا أيضا لابد أن أشيد بمجهودات عدد كبير من الجماعات المحلية التي انخرطت بكل فعالية في هذا الميدان.

* س: السيد المدير، في الختام ماذا تأملون من المواطن الأمي المغربي، ومن المتدخلين والفاعلين في مجال محو الأمية ؟

·               ج: بالنسبة للمواطن المغربي الأمي،وبالقدر الذي نتأسف معه لفوات فرصة التعلم عليه ،  نعطيه الفرصة الثانية لتدارك هذا النقص،  وتوضع له بان له هناك ثمارا إيجابية ستنعكس على حياته في تربية أطفاله وتنمية أسرته ومجتمعه ، وبالنسبة للمتدخلين وكل الفاعلين أشكرهم على المجهودات الكبيرة التي يبدلونها في سبيل تخليص البلاد من هذه الآفة التي لا تشرف أحدا المرتبة التي يوجد عليها المغرب، ولذلك أوجه دعوتي للجميع من أجل  المزيد من المساهمة والانخراط في هذا الورش الوطني الكبير كل حسب موقعه وحسب إمكانياته.


·               س: السيد مدير التربية غير النظامية: يعلم الجميع أن التربية الغير النظامية داعم أساسي وقوي لتنمية وتعميم التمدرس، فما هي المنجزات التي تحققت الى حد الآن ؟وكيف ترون المستقبل؟

* ج: شكرا لجريدة القلم ، برامج التربية غير النظامية تأتي مكملة للمجهودات المبذولة في مجال تعميم التعليم وكذلك الحد من الأمية من المنبع ،وتستهدف الأطفال المنقطعين عن الدراسة أو الذين لم يسبق لهم أن تمدرسوا  من قبل  بإعطائهم الفرصة الثانية ، والمجهود المبذول في هذا المضمار مجهود كبير تقوم  به  الدولة بشراكة مع جمعيات المجتمع المدني  جعل عدد المسجلين خلال هذا الموسم يصل إلى   129741، والتوجه الجديد الذي أقدمت عليه كتابة الدولة  خلال هذه السنة تنفيذا لتوصيات اللجنة الوزارية  هو اعتماد برنامج وقائي يهدف إلى الحد من ظاهرة الانقطاع المدرسي بحيث تأسست في معظم المؤسسات التعليمية بالمغرب "خلايا لليقظة " من أجل رصد كل ما يؤدي لهذه الظاهرة والتصدي لها بوضع استراتيجيات محلية تركز على الدعم التربوي للتلاميذ.

* س : السيد المدير،أطلقتم فكرة  الاحتضان  في مجال التربية غير النظامية، فما هي مميزات هذه التجربة وما هي النتائج التي تحققت بها إلى الآن؟.

* ج: الاحتضان هو محور من المحاور الأساسية لاستراتيجية الحكومة ، ومفهوم جديد لتوسيع قاعدة المستفيدين من برامج التربية غير النظامية ،  ويقوم به أشخاص ذاتيون أو مؤسسات أو جمعيات تتكفل بإعطاء الفرصة الثانية لطفل أو طفلين أو قسم بأكمله ،  وهناك تجارب - وإن كانت لا زالت قليلة العدد - نأمل أن تأخذ طريقها نحو التوسع والتعميم على أساس أن التربية للجميع وبمساهمة الجميع ومسؤولية الجميع.

*س:  السيد المدير هناك السلك المعتمد على الجمعيات ، والاحتضان ، وسلك الاستدراك ، فما هو هذا السلك ومؤشراته الحالية؟

* ج: سلك الاستدراك تم اعتماده في  الموسم الدراسي 2001/2002 و2002/2003 ، وكان تجربة نبيلة في أهدافها ولكن في نفس  الوقت واجهتها عدة إشكالات بحيث أن وضعية الهشاشة التي يوجد عليها الأطفال غير الممدرسين والمنقطعين عن الدراسة  لم تساعد بشكل كبير وفي العديد من المناطق على تكوين أقسام أو استمرارية المكون منها ، ولهذا حاولنا تجاوز هذا المعيق من خلال تعويضه ببرنامج الدعم التربوي الذي انطلق هذا الموسم .

*س: السيد المدير كانت من مجموعة من المسائل تعيق أداء الأستاذ أو المنشط لمهامه وفق شروط جيدة ، هل تغلبتم عليها؟

* ج : طبعا يقوم المتدخلون في برامج التربية غير النظامية معتمدين بالدرجة الأولى على مؤهلاتهم وكفاءاتهم وإرادتهم ، وقد كان فراغ كبير منذ انطلاقة البرنامج في مجال الوثائق والمعدات الديداكتيكية والبيداغوجية التي يجب توفرها للمستفيدين وكذلك للمؤطرين ،هذا النقص تم استدراكه مؤخرا لسببين : أولهما أن مجال المحتويات والأنشطة التربوية داخل أقسام التربية غير النظامية لا يمكن إزاءها أن نترك  المنشط يختار ما يريد تلقينه هو ودون أية مرجعيات ، وثانيا ،وضعية هذه الفئة من الأطفال المادية التي لا تسمح لهم باقتناء كتب من أجل التعلم ، ولهذا فإن كتابة  الدولة قامت خلال سنة  2005 بإعداد ما مجموعه 21 مؤلفا للأدلة التربوية للمنشط  وكراسات المتعلمين على شكل أربع مناهج كبرى: منهاج  الإدماج المدرسي ،منهاج أطفال  الوسط القروي ،منهاج الإدماج في التكوين المهني ومنهاج الإدماج الاجتماعي ...

          * س: السيد المدير ، ونحن مقبلون على اختتام السنة الدراسية الحالية ومقبلون في نفس الوقت على التهيئ للموسم الدراسي المقبل ، ما هي انتظاراتكم من الأطفال غير الممدرسين أو المنقطعين عن الدراسة وكذا الجمعيات التي يمكن أن تنخرط في هذه العملية ؟ وما هو النداء الممكن توجيهه بالمناسبة ؟

* ج : نداءات هي في الواقع ، أوجهها للمصالح الخارجية التابعة لكتابة الدولة والمتواجدة في الجهات والأقاليم والتي تضم نخبة جد مكونة ومؤهلة للإعداد الجيد للدخول المدرسي المقبل دون أن أغفل تهنئتها بما حققته خلال الموسم الحالي ، وبالنسبة للجمعيات ومختلف الشركاء أؤكد لهم أننا على ثقة كبيرة في إرادتهم القوية وانخراطهم التام في برامج التربية غير النظامية ، أما بخصوص الفئات المستهدفة فالنداء يتمحور حول ضرورة الاستفادة من الفرصة الثانية والتسجيل بأقرب مركز علما أن التسهيلات تبقى رهن إشارتهم لتكييف الوقت والحصص الزمنية حسب خصوصياتهم وخصوصيات مناطقهم .

أنجز  الحوار :

عبد الكريم جبراوي

18 janvier 2007

أفق الجامعة

بقلم الدكتور جمال الدين بنحيون

drbenhayoun@hotmail.com

لا ريب أن الجامعة المغربية في حاجة دائمة إلى إصلاح عقلاني يؤدي إلى تقوية بنياتها الأساسية ويؤهل طاقاتها البشرية، ويستثمر مؤهلاتها المادية والعقلية؛ كما يمكن الجامعة من تصريف المعلومات والكفايات عبر قنوات تفاعلية تستجيب للتطورات العالمية والإكراهات الاجتماعية والاقتصادية. ومن شأن هذا الإصلاح أن يغني المناهج والمضامين ويحينها، ويجدد وضع الجامعة الاعتباري، ويوطن المؤسسات الجامعية في مجالها الاجتماعي والثقافي، ويؤهل الطلاب وينورهم. ولا شك، أن جامعاتنا انخرطت في مثل هذه المسارات الإصلاحية بدرجات متفاوتة من السرعة وبمؤشرات متباينة. فعجلت أغلبها بتطبيق توصيات اللجان الوطنية والندوات الرسمية، وأنفقت الساعات والأيام في ترجمة بنود القانون الشهير "01.00" وأهداف "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" إلى الواقع. إلا أننا وقد قربنا من نهاية الإصلاح بشقيه الهيكلي والتربوي، نجد أن جامعاتنا مازالت في حاجة إلى مراجعة فلسفية لمفهوم الإصلاح أكثر مما كانت مطالبة بتطبيقه باعتباره أشكالا تقويمية مسنونة وجاهزة. فالإصلاح في نظرنا يتجاوز العمل بنظام الوحدات والمراقبة المستمرة؛ وهو أكثر خطورة من سن صيغ جديدة لتغيير رؤساء المؤسسات أو تعيين آخرين في مواقع المسؤولية. إن الإصلاح كما ندعو إليه يقتضي العمل على جعل الجامعة مؤسسة حقيقية لإعمال الفكر ببعديه الوظيفي والفلسفي.

فبالإضافة إلى مكوناتها المادية والبشرية، تبقى الجامعة في أصلها فكرة كونية؛ بمعنى أنها طموح فلسفي ضد الابتذال المادي للواقع؛ وهي بذلك تمثل قيمة رمزية مضافة لأنسنة الواقع ومعالجة تمظهراته المادية والتاريخية. لذلك، ليس عجيبا أن تكون الجامعات المرموقة من صنف "أكسفورد" و"كامبريدج" و"السربون" و"هارفارد" و"يال"...، وغيرها، قابلة للتصريف في أفكار فلسفية عميقة ومرتبطة أوثق ارتباط بالحضارات التي تنتمي إليها تلك الجامعات. وعلى الرغم من طغيان رأس المال وسيادة ثقافة الاستهلاك واجتياح الآلة والحاسب الإلكتروني جميع مناحي الحياة الغربية، ما زالت مثل هذه الجامعات، ببنيانها وأيقوناتها وتاريخها ومضامينها الفكرية، تشكل حصونا حقيقية لتلك المجتمعات، وبالتالي تحميها من الانهيار الحضاري الذي يتهددها. فمثل هذه الصروح العلمية هي بالدرجة الأولى رموز ثقافية ترتبط ارتباطا وثيقا وعضويا بما يمكن توصيفه "بالدلالة الثقافية". فالجامعة في المجتمعات الغربية، مثلها مثل المسارح والمتاحف والأروقة والمآثر، والأعمال الإنسانية الخالدة...مطالبة بعدم فقدان قيمتها الرمزية ودورها في إغناء الثقافة والحضارة، ومضطرة إلى إيجاد الآليات الناجعة لتحقيق المزاوجة بين الأبعاد الوظيفية والأخرى الرمزية. والجامعة بهذا المعنى تمثل فضاء منفتحا ومساحة ثقافية استثنائية، حيث تتداعى ضمنها الفواصل بين الأزمنة التاريخية للمجتمع بفعل التراكمات المعرفية التي تحققها. وفضاء الجامعة هو فضاء مجتمعي بامتياز حيث تعتمل داخله الفوارق والنزاعات والتوترات والاختلافات والتيارات والقيم والايديلوجيات والاثنيات ذاتها التي تتنازع المجتمع وتتقاسمه وتميزه، إلا أنها داخل الجامعة تتوحد فيما بينها، دون إلغاء للاختلاف، بفعل آلية التأويل والترميز التي توظفها الجامعة لصياغة خطاب الهوية والاختلاف.

ولعله من المفارقات اللافتة أن يكون دور الجامعة في البلاد الأقل تقدما محصورا في عملية التلقين والتكوين ببعدها المدرسي البسيط والرتيب؛ وبالتالي تصبح جامعات هذه البلاد أعصى على التصريف أو التمثل الفكري من تلك التي تنتمي للبلاد المتقدمة. فقد صممت جامعتنا وفق أسس تنظيمية وإدارية بيروقراطية ومجترة لتقدم كل شيء من حيث التكوينات إلا شيئا واحدا وهو القيمة الرمزية والفلسفية التي تتأسس عليها فكرة الجامعة. والمتأمل في واقع جامعاتنا يستنتج بوضوح أن هذه المؤسسات تنحاز إلى التكوينات التطبيقية والمخبرية أو المعملية وترصد لذلك إمكانات لا بأس بها مقابل تراجع واضح على مستوى دعم البنيات الكفيلة بحفز البحث في مجال الفكر والفلسفة والآداب والفنون والحضارة والمجتمع والسياسة والإنسان. ومعنى هذا، بصيغة التعميم، أن جامعاتنا الوطنية تعاني انحباسا حادا على مستوى دلالاتها الثقافية والرمزية. فالقيمة الرمزية لجامعاتنا لا تعدو أن تكون قيمة إدارية ومؤسساتية، وهي قيمة غير مفقودة في جميع مؤسسات المرفق العام. لذلك، ليس غريبا أن لا تذكر أسماء جامعاتنا في الكتب السياحية مثلا أو في تلك المطبوعات والمؤلفات التي تتناول الحضارة المغربية! لأن مثل هذه الجامعات لا تمثل رموزا حضارية بالمعنى الفلسفي والكوني. ولكي تكتسب جامعاتنا قيمتها أو بالأحرى قيمها الرمزية عليها أن تؤسس داخلها خطابا فلسفيا جريئا يبلور فكرة الجامعة في أبعادها الكونية والإنسانية والفلسفية ويروج لذلك. ولكي يتشكل مثل هذا الخطاب الضروري يشترط إخضاع البنية التحتية للجامعة لمراجعة شاملة وفق المعايير البنيوية المعمول بها في المجتمعات الراقية.

تفتقر أغلب جامعاتنا الوطنية إلى مكتبات جامعية قائمة الذات، مؤهلة وموحدة ومنظمة وموسوعية من حيث محفوظاتها، وذات قدرة على التوسع والتطور، وموصولة بأبناك المعلومات الوطنية والدولية، وتمتلك حق إصدار حقوق التأليف والتصنيف. وهذا نقص فادح وخطير ويضر ضررا بليغا بقيمة البحث العلمي داخل الجامعة المغربية؛ بل إنك واجد البعض من الباحثين في اضطرار إلى التنقل داخل الوطن أو خارجه لاقتناء المصادر والتزود من مكتبات الجامعات الأخرى. ولو أن جامعاتنا رصدت بعضا من اعتماداتها لمدة سنة أو سنتين أو أكثر لبناء مثل هذه المكتبات لفعلت خيرا، ولاقت استحسان جميع الباحثين وهم كثر من الطلاب والأساتذة والشغوفين بالقراءة والتقصي. وليس غريبا أن تقاس أهمية الجامعات في المجتمعات المتحضرة بأحجام مكتباتها ومحتوياتها من المنشورات ومصادر المعلومات صلبة كانت أم إلكترونية. والجامعة التي تفتقر إلى مكتبة جامعة ومحينة وعلمية لا يمكن تسميتها جامعة إلا تجاوزا ورضوخا لمقتضى التنظيم الإداري.

ويبدو، من جانب آخر، أن أغلب جامعاتنا في حاجة إلى مراكز حقيقية للبحثمراكز ذات كيانات مادية وسياسات تنظيمية محكمة ومستقلة وأهداف استراتيجية محددة في مجال البحث العلمي وأهمية مثل هته المراكز لا تخفى على أحد إذ يلجأ إليها الباحثون للعناية بمشاريعهم العلمية وأفكارهم وأبحاثهم وتطوير قدراتهم في إنتاج الأفكار وإبداع النظريات. وغياب مثل هذه المراكز يفقد الجامعة حيويتها الفكرية وخصوبتها ويحولها إلى مجرد متاهات من الحجرات والمدرجات والمكاتب تعج بالحركة حينا ويحفها الشلل والصمت أحيانا. وهذا ما يجعل الأبحاث التي تصدر عن جامعاتنا، على قلتها، تبدو غير منسجمة فيما بينها، ولا تحكمها رؤى استراتيجية للبحث العلمي؛ بل تأتي معظم تلك الأبحاث استجابة لطموحات شخصية لباحثين مجتهدين آثروا أن يقلبوا الأفكار والنظريات بإمكانياتهم الشخصية والمتواضعة.

وعلى الرغم من الإصلاحات الهيكلية الجديدة، ما زالت المؤسسات الجامعية تعتمد على ما تمنحه لها الدولة من منح قد تعلو قيمتها أو تهبط وفق الموازنة العامة لخزينة الدولة؛ وما زال أغلب هذه المؤسسات أبعد ما يكون البعد عن بلورة استراتيجية شرسة لاستقطاب الدعم الكافي من خارج الجهات الرسمية عن طريق الصفقات والعقود والاتفاقيات واستثمار الأبحاث وبيع المطبوعات وتهيئ الندوات واللقاءات ومنح التكوينات التكميلية واستخلاص رسوم التسجيل والامتحانات والإشهار والاستثمار في رؤوس الأموال وإنجاز الخبرة وتقديم التوصيات، إلى غيرها من الخدمات، بالمقابل. وفقدان الاستقلالية المادية يوجب فقدان الاستقلالية المعنوية بطبيعة الحال. وهذا ما يجعل جامعاتنا الوطنية متشابهة فيما بينها، متماثلة بعضها مع البعض الآخر؛ تفتقد طابعها الخاص أو شخصيتها المميزة. والجامعة الحقيقية قادرة على توليد رأس المال مثلما هي بارعة في إنتاج الأفكار والنظريات. إنه الفكر الخلاق الذي ينبغي أن يسود جامعاتنا؛ فلنحررها من التبعية الإدارية ونمتعها بالاستقلالية اللازمة!

وبقدر ما أن الجامعة المثالية تمثل كيانا مستقلا ومتحررا فهي كذلك متجذرة في المجتمع ومتفاعلة مع حركيته التاريخية. إلا أن جامعاتنا تعاني من عزلة شبه تامة داخل مجال الدولة؛ بل هي مغتربة داخل هذا المجال وشاردة عما يعتمل داخله من تفاعل وتحول وتطور. فعلى الجامعات أن تواكب نمو المجتمع وتطوره؛ بل هي مدعوة إلى استباق هذا التطور وهذا النمو وأن تخضع المجتمع بأكمله، في اختلافه وانسجامه وتعدده وتوحده، لسلطتها الرمزية وبذلك تتحول الجامعة إلى مركز ثقل ضاغط داخل الفضاء العام للدولة. فالمؤشرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية لا يمكن أن تتفاعل فيما بينها وتتحول إلى خطاب عقلاني وتنموي وإنساني إلا داخل مجال الجامعة المستقلة والقائمة الذات.

Publicité
18 janvier 2007

قيم الجامعة

بقلم الدكتور جمال الدين بنحيون

drbenhayoun@hotmail.com

للجامعة قيمها مثلما للمجتمع قيمه، غير أن قيم الجامعة أعم وأشمل من قيم المجتمع. وإن كانت هذه القناعة مدعاة للشك أو التعجب عند البعض، فإنها بالنسبة للبعض الآخر حجة لا يسهل الدفع بضدها أو نفيها! ولست مكابرا بهذا القول ومغاليا فيه، أو مفرطا في الانتصار للجامعة ومنتقصا من قدر المجتمع. فالمجتمع أفسح من الجامعة وأعقد منها، وهو، في بداية الأمر ونهايته، موطن الجامعة ومحيطها المادي. والجامعة فضاء مجتمعي مصطنع ومصمم للتأمل في ظواهر المجتمع وتجلياته، وموجه لرصد متغيرات المجتمع وتحولاته وسلوكياته وحركيته. ومن اختصاصات الجامعة الرئيسية، بل من ضمن قيمها المتنوعة، إنتاج معرفة عقلانية ومجتمعية، متعددة الأصوات والأسباب والمشارب والوسائل، تواكب نمو المجتمع وتطوره وتاريخه وتحدياته ومعضلاته وراهنه ومستقبله.

وقد أوجدت الجامعات الحديثة لتحقق غايات المجتمع المثلى ولتبلور ما يمكن نعته "بالعقل المجتمعي الجمعي المتعدد والمتسامح". فالمعرفة الجامعية تتميز بوصفها عقلانية ومجتمعية ونظامية، تنضبط لبنية الجامعة وللأعراف الأكاديمية الدائمة التجدد؛ وتتبدل هذه المعرفة وتتطور بتحول المجتمعات وتطورها. وقد تكون فكرة إنشاء الجامعات من أرقى أفكار البشرية على الإطلاق وأكثرها نبلا ومثالية وإنسانية، وأوضحها أثرا وقوة وجرأة. وإن كان منشأ فكرة الجامعة ضاربا في التاريخ ومتقاسما بين الحضارات والأمم، فإن الجامعة بمعناها الراهن تبقى مؤسسة حديثة العهد، ومرتبطة في نشأتها وبنياتها وغاياتها بالتحولات التاريخية الكبرى التي عجلت بنهضة أوربا منذ أواخر القرن السادس عشر إلى اليوم، بداية بتحرير المعرفة من قيود اللاهوت والكهنوت وبانزلاقها من حقل الميتافيزيقا والربوبيات إلى مجال الإنسان والجغرافيا والسياسة والاقتصاد.

ومنذ البدايات الأولى للنهضة الأوربية حتى نهاية القرن التاسع عشر، كان هاجس الجامعات الأوربية الرئيسي ينحصر في إنتاج معرفة "كونية" و"صنافية" تسع العالم في شموليته وتتطور وتنتشر وفق اتساع هيمنة أوربا على العالم. ولم يكن الآخر في فلك هذه المعرفية إلا تابعا وعرضيا وهامشيا. ولم يكن موقعه في محيط تلك المعرفة يتجاوز حيز موضوع المعرفة الاستعمارية المهيمنة والمنمطة. وتبعا لذلك، فقد كان تصور أوربا للمعرفة "هيجيليا" في فكرته، إطلاقيا في منحاه وافتراضاته، واستعماريا في مسعاه وتفصيلاته. فالقيم التي سادت الجامعات الغربية عندئذ هي قيم الهيمنة والاحتواء والتوسع والتفوق، بدل قيم الحوار والتفاعل والتعدد والتكامل. وقد تطورت الجامعات في أوربا بتطور الإمبراطوريات التي كانت تنتسب لها وتسخر لأجلها. لذلك لا ينبغي فصل تاريخ الجامعة الأوربية عن التاريخ الإمبريالي لأوربا؛ بل يلزم تأكيد ذلك الترابط، واستحضار نشوة التحكم في صناعة المعرفة عند علماء أدركوا أن حدود بلدانهم كانت قابلة للتمدد عبر المحيطات والقارات. لم تكن الجامعات الأوربية أبدا في حياد وتجاه قضايا الاستعمار أو إزاء مشروع بناء الإمبراطوريات؛ بل كانت منخرطة في برامج أوربا التوسعية على مستويات متعددة وبطرائق متلونة. وقد أحدثت الأقسام والمعاهد والكليات ومراكز البحث المتخصصة في شؤون المستعمرات ومقاطعات ما وراء البحار. ذلك أن آليات الاستعمار المعقدة لم يتم تفعيلها عسكريا واقتصاديا فحسب، بل معرفيا وثقافيا كذلك؛ إذ حرصت المعاهد الأوربية والمدارس والكليات على مدى عقود طويلة، بل عبر قرون متوالية، على تحديد المعرفة باعتبارها نمطا حضاريا أوربيا يخص أمم أوربا ويميزها عن غيرها من الأمم والشعوب والثقافات، ويوفر لها الحافز المعنوي لبسط هيمنتها على الشعوب والثقافات والأوطان المغايرة.

لقد كانت قيم الجامعات الغربية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إمبريالية واستعلائية وشوفينية؛ غير أن الجامعات الغربية اليوم احتضنت النموذج المعرفي المتعدد لاحتواء المعارف بكل أصنافها لتتمكن من مماثلة الأنسجة الاجتماعية المعقدة التي أفرزتها مخلفات الاستعمار والهجرة؛ فتجاوزت الجامعات الغربية بذلك المثل المحافظة التي أسهم في نشرها كل من "ماثيو أرنولد" و"جون هنري نيومن". لقد انتقلت قيم الجامعات الغربية من حقل الخطاب الاستعماري والقومي والأخلاقي إلى حقل الخطاب ما بعد استعماري، المتعدد والهجين. ومن عواقب هذا التحول أن أصبحت الجامعات الغربية مضطرة إلى إعادة تهيئة بنياتها المؤسساتية والمعرفية باستمرار؛ ذلك أن النموذج المتعدد يقتضي عدم ترسيخ البنيات التقليدية لإنتاج المعرفة. فجامعة اليوم في الغرب لن تشبه جامعة الغد، وهي بذلك في تحول وتطور دائمين؛ ومن قيم الجامعة المعاصرة إنتاج ثقافات مغايرة لما هو سائد أو مترسب داخل البنيات المؤسساتية والمجتمعية. بل أصبحت الجامعات الغربية تفرز قيما جديدة بمراجعاتها المستمرة لممارسات المجتمع القيمية. ومن هذه القيم الجديدة التي أفرزتها الجامعات الجديدة في الغرب ورسختها باعتبارها صيغا للتفكير والإبداع والممارسة نذكر الديمقراطية وحرية التعبير والفردانية والحق في الاختلاف والتعددية والمدنية.

ومما يميز الجامعات الغربية كونها مؤسسات لا تخضع لهيمنة قيمة بعينها عكس ما نلمسه في جامعاتنا في عالمنا العربي. فالجامعات الغربية هي مجال لنقد القيم وتفكيكها، بمعنى احتضانها لقيم المجتمع جميعها دون أن تسمح بسيادة قيمة ما على حساب قيمة أخرى. وتعدد المناهج العلمية والأفكار الفلسفية في الغرب هو تعبير آخر عن مفهوم الجامعة باعتبارها مجالا لنقد القيم وتكريس تعدديتها بدل ترسيخ أحاديتها وسطوتها. ويترتب عن نقد القيم إعادة ترتيب شروط إنتاج المعرفة باسمرار داخل الجامعات وخارجها ومراجعة صيغ تصريف تلك المعارف بالشكل الذي يضمن للمعرفة التداول والتفاعل والحرية والقوة الرمزية. أما جامعاتنا في عالمنا العربي فهي في أغلبها عقيمة وغير مؤهلة؛ ولا تسهم في ترسخ تعدد القيم داخل المجتمع ولا تنتج المعارف والأفكار ولا يسودها الفكر الحر والعقلاني ولا تمثل مراكز قوة داخل مجتمعاتها وتفتقر للبنيات الأساسية والوظيفية وتفتقر إلى التنوع في النسيج البشري؛ وهي بذلك غير قادرة على نقد القيم أو إفراز قيم مدنية متجددة.

18 janvier 2007

تجارب نقدية (1964)رولان بارثRoland Barthes

   كان رولان بارث ، خلال الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي،فارس النقد البنيوي الجديد ، في مواجهة  النقد الجامعي للمرحلة(حول راسين1963،النقد و الحقيق1966).وجعلت من إبداعاته، المستوحاة من الماركسية ،واللّسانيات،و الإنثروبولوجيا،و التّحليل النفسي ،إبداعات سيميوطيقي*، موضوعها اللّغة (درجة الصفر في الكتابة1953واستعمالاتها الاجتماعية(ميثولوجيا 1957،نظام الموضة1967، إمبراطورية الإشارات1970،)،والقصّ( مدخل إلى التحليل البنيوي للقصص1966، ثم دراسة أخرى مخصصة لتحليل قصة قصيرة لبلزاك 1970)،والتصوير الفوتوغرافي(الغرفة المضيئة1980 )

  والحقّ أنّه بالنّسبة إلى بارث فإن كلّ شيء هو لغة،النص و القارئ ؛بل إنه يحدّد،أكثر من النقد ذاته،علم خطاب يروم تحليل البنى و الأشكال الخاصة بالإبداع الأدبي ،ويجعل القارئ«منتج نصّ»:

في ظلّ«الحركية البنيوية[...]نعيد تركيب الموضوع بغرض إبراز وظائف،وهذا هو السبيل الذي يصنع الإبداع ،إذا أمكننا القول.».

  بواسطة تأمّلات حول المسرح و الأدب ،وبتحليل إبداعات كتاب مختلفين مثل فولتير و ألان روب جري ،تعكس "تجارب نقدية" سيرورة فكر رولان بارث خلال عشر سنوات ،من 1954 إلى 1964 ، استنادا إلى سلسلة من المقالات و الحوارات عرّفها بارت في مقدمة كتابه لعام 1971 بأنها أشبه ما تكون «بصيحات عمل متطوّر».إنه يموضع تحليلاته في حقبة « ازدهار السيميولوجيا»، موضّحا ،رغم ذلك،بأن هذه النصوص "متعدّدة العلامات" ولا ينبغي أن تختزل في مجرّد إيضاح لمنهج نقدي مؤقت تاريخيّا.

                        «الأدب،غرض القول الطّفيلي»

الطبيعة الكلامية للأدب تظهر بوضوح في هذه الأمثلة :إنها تتواصل باستعمال مادة،الكلام،التي تضطلع أصلا بوظيفة التواصل.وبما أنها محددة باعتبارها نظاما ثانيا للكلام،طفيليا،فهي لا يمكن أن تحال إلاّ إلى الكلام،وليس إلى الواقع.

  بهذا المثال يبيّن بارث حجم رحابة الأدب مقارنة بباقي الفنون:الأدب لا يقلد الواقع، على عكس الرسم التشخيصي.ولكن،بشكل مقلوب،بينما تبدو اللوحة منذ الوهلة الأولى مثل فن و خدعة (يتعلق الأمر بالرسم على الكتان)،لا يتميّز الأدب ،دائما،عن الاستعمال اليومي للكلام :«إذا عزلتم جملة حوار روائيّ، لاشيء تقريبا يمكن أن يميزها عن حوار عادي»ولهذا السبب جرّد بعض الكتاب الرواية من أية قيمة فنية:(انظر في هذا الصّدد "Les réflexions de Valéry,Breton et Gracq,Texte53))

«ثمة وجود لقانون أدبيّ خاص يرتبط بهذا،وهو أن الأدب مصنوع من الكلام، أي من مادة دالة قبلا في اللحظة التي يهيمن فيها الأدب:ينبغي على الأدب أن ينزلق  في نظام لا ينتمي إليه ،ولكنه يعمل ،على الرغم من ذلك، إلى بلوغ  نفس النهايات،معرفة:التواصل.يستتبع هذا أن الخلافات الكامنة ما بين الكلام و الأدب ،تشكّل ،على نحو من الأنحاء،كائن الأدب ذاته:بنيويّا،ليس الأدب إلاّ غرض اللغة الطفيليّ ؛حينما تقرأ رواية، لا تستهلك في البداية الدالّ «رواية»؛فكرة الأدب ( أو موضوعات أخرى تتعلق بها)ليس الرسالة ما تستقبل؛بل دالاّ إضافيا آخر ،هامشيّا؛ تحسّ به يطفو بإبهام في منطقة خارج الإدراك الواضح؛ ما تستهلكه ،في الحقيقة، الوحدات، العلاقات، بإيجاز، الكلماتُ و نحوُ النظام الأول(الذي هو اللغة الفرنسية)؛ومع ذلك،فإن كائن هذا الخطاب الذي تقرأه(المعنى«الواقعي»)،هو الأدب نفسه.،وليس الحدوثة المرسلة إليك؛وعموما،يتعلق الأمر هنا،بنظام طفيليّ رئيس،لأنه يحوز آخر مفهومية المجموع:بتعبير آخر، إنه هو «الواقعي».هذا النمط الماكر من عكس الوظائف يوضح إلتباسات الخطاب الأدبي المعروفة جدا :إنه خطاب نؤمن به من دون أن نثق به،لأن فعل القراءة مؤسس على تناوب لا يتوقف ما بين النظامين:انظر إلى كلماتي،أنا كلام،انظر إلى دلالتي،أنا أدب.

  «الفنون» الأخرى لا تعرف هذه الإلتباسات التكوينية.بالطبع،فإن لوحة تجسيدية ترسل (بواسطة «أسلوبها».مرجعياتها الثقافية)رسائل أخرى كثيرة حتى أن «المشهد» ذاته الذي تمثّله،ابتدأ بفكرة اللّوحة ذاتها؛ولكن«جوهرها»(لكي نتكّلم مثل اللّسنيين)مؤسس بواسطة خطوط،ألوان،علاقات غير دالة في حدّ ذاتها(على عكس الجوهر اللّساني الذي لا جدوى من ورائه غير أن يدلّ )؛إذا عزلت جملة من حوار روائيّ،لا شيء،تقريبا،يمكن أن يميّزها عن حصّة كلام عادي،أي عن الواقع الذي تمتح منه نموذجها الرئيس.؛ولكن،من حسن اختيارك في أكثر اللّوحات واقعية،الأكثر طبيعية من حيث التفاصيل،لن تظفر أبدا إلاّ بمساحة مستوية مطلية،وليس مادة الموضوع المقدم:مسافة جوهرية تظل ما بين النموذج و نسخته؛يستتبع هذا تشابك – مطاردة عجيب؛في الرسم (التجسيدي)،ثمة وجود لتماثل بين عناصر الإشارة (الدّال و المدلول)وتنافر ما بين ماهية الشيء وماهية نسخته؛في الأدب،الأمر معكوس،هناك وجود لتطابق الماهيتين(الأمر لايزال يتعلق بالكلام)، ولكن عدم تشابه ما بين الواقعي و ترجمته الأديية،مادامت العلاقة تنسج هنا،ليس عبر الأشكال المتماثلة،ولكن  عبر شفرة رقمية ،تلك الخاصة بالكلام.هكذا نصل إلى مبدأ  أدبي غير واقعي بشكل فظيع ،الذي لا يمكنه أن«يتذكّر»الواقعيّ إلا عبر مناوبة،يتناوب الكلام مع الواقعي في ظلّ علاقة مؤسساتية،وليس بالبداهة.يستطيع الفن(التصويري) دائما،كيف ما كانت منعطفات الثقافة       و حقوقها،أن يحلم على الطبيعة(وينبغي أن يتحقق هذا،حتى في أشكاله المجردة)؛أما الأدب،فليس له من حلم و من طبيعة مباشرة غير الكلام.»    

Roland Barthes ,Essais Critiques,éd.du Seuil,1964,pp.262-264 *أي باحثا في علم السيميوتيقا أو السيميولوجيا،و تعرف بعلم الإشارات.

18 janvier 2007

لست عراقيا، ولكن...

بقلم الدكتور جمال الدين بنحيون

drbenhayoun@hotmail.com

لست عراقيا، ولا أدعي أني أعرف العراق، أو أعرف أنهاره وسماواته وروابيه وعشائره ومدنه وأهاليه وتاريخه وحاضره ومكتباته ونواديه ومدارسه وأسواقه أحسن من العراقيين. أهل مكة أدرى بشعابها. ولكنني أعرف العراق جيدا، أعرفه عبر مسام أحاسيسي، وعبر رعشات وجداني، وعبر أحاديث الناس في الشوارع والمقاهي والحافلات. لم يعد العراق موضوعا خافيا، بل هو مجموع أحاديث الناس في الشرق والغرب – هنا وهناك. أصبح العراق عنوانا عريضا لكل الكلام والأحلام والهواجس والمعاني وكل المناسبات وكل الفصول. لم يعد مستحيلا أن نتحدث عن العراق في الأعياد والأعراس والمؤتمرات والجنائز والأسفار. أصبح العراق جزءا من لغتنا اليومية، ولا تستقيم لغتنا الآن دون ذكر العراق. ولم يعد مستحيلا أن نذكر العراق مرتين أو ثلاث مرات أو أكثر في نفس اللحظة وبنفس اللغة وفي نفس اليوم ونفس المكان.

واقتران العراق باللغة ليس أمرا عجيبا أو مستحدثا. يحضر العراق في اللغة عبر مدارس النحاة، وعبر الأمكنة ومجالس الأمراء ودواوينهم، وعبر قوافي الشعراء العظام، وعبر قصص الحب والأنبياء، وعبر الأحداث الجسام والقرون الغابرة. فإن كانت اللغة في حاجة إلى جغرافيا، فالعراق هو الجغرافيا، وإن كانت اللغة في حاجة إلى ذاكرة، فالعراق هو الذاكرة. نتذكر العراق كل مرة نجرؤ فيها على الكلام وعلى التفكير في اللغة والتأمل فيها. نستكشف حينئذ مدى حضور العراق في اللغة ومدى توغل اللغة في العراق. أضحت لغتنا تتقلب في كل حين بين مواجع العراقيين، وتتلون بألوان أحزانهم، وآهاتهم المكتومة. أصبحت لغتنا حزينة جدا؛ أصبحت ظلا منكسرا على الأرض لأسوار مخروطة بثقوب النار والموت والرعب. لم تعد لغتنا تكفينا ولم تعد تقوى على احتواء أحلام أطفال البصرة والكوفة وبغداد وهم يبحثون بين شظايا القذائف عما يشبه لعب الأطفال. لغتنا ابتعدت عنا كما ابتعد العراق عن أهل الرافدين. أصبح العراق بابل جديدة، تتشتت فيها الأصوات وتتيه بين صراخ النسوة وحسرات الميتمين وطقطقات المدافع والرشاشات. بابل الجديدة أربكت لغتنا ثانية وحملتها أكثر مما تقوى على حمله. كان فيما مضى حزننا بسيطا، نعرفه كيف يأتي وأين ينتهي؛ نحكيه قصصا وروايات وقصائد، نتحلق حوله ونحوله إلى دفء في ليالي الخريف؛ كان حزننا لنا نملكه ونصنعه بأيدينا، يؤلمنا ونأنس به ويجمعنا في حلقة العشيرة، وكان حزننا يشبه اللغة التي نحكيه بها. لم يكن أبدا غريبا عنا. حزننا في العراق فجيعة موجعة، تفرقنا وتشتتنا وتمزقنا وتجعلنا ننكر بعضنا، وتعكر صفو ليالينا. فمن قال إن الأحزان واحدة ومتشابهة؟

كم سيأخذ الزمن منا حتى نعيد اللغة إلى موطنها، ونمحو الأحزان الغريبة عنا وعنها، فيستعيد العراق وجهه الحقيقي ويتطلع إليه في مرايا المتنبي والحلاج والجواهري والسياب والبياتي... ومرايا دجلة والفرات؟ سيتذكر العراق وجهه ثانية ولو بعد حين، وسينفض عنه غبار المدافع وأتربة الموت والانتحار؛ سيتفحص وجهه ذات يوم في عتمة الليل وقبل فوات الأوان وقبل أن تحرق كل حدائق النخيل. سيذكر العراق أن له لغة تمتد بين السهول وبين الصحارى وبين البحار وأن له مواعيد كثيرة – له أن يذكر صفوف التلاميذ على أبواب المدارس، وله أن يذكر مواسم الحصاد المؤجلة، وله أن يذكر أن رسائل الحب محتاجة إلى طوابع البريد، وله أن يذكر أن لياليه لها أقمار قزحية يحجبها دخان البارود والدمار. للعراق مواعيد مؤجلة ومسجلة في أعين الحوامل والرضع وفي شبابيك المسارح والمطارات. لست عراقيا، ولكنني أعرف أن للعراق مواعيد.

18 janvier 2007

ثقـــــــــــافة المقاومة

بقلم د. يحيى بن الوليد في فترة زمنية متقاربة ساهمت في ثلاث أنشطة ثقافية في ثلاث مدن مغربية متباعدة ومختلفة جغرافيا وثقافيا وإنسانيا. وميزة مثل هذه الأنشطة واللقاءات والمهرجانات أنها تدني المهتم من إشكالات الثقافة وتلقيها ومدى "انخراطها" في ما يمكن نعته بالنسيج المجتمعي الذي لا يمكنه بأية حال من الأحوال أن يوجد في معزل عن الثقافة التي هي عنوان على الإبداع والجسد والمتخيل... بل والإنسان ذاته في دروب الوجود والحياة. ودون أن نتغافل أيضا عن أن مثل هذه اللقاءات جديرة بأن تعكس تصورا مغايرا للثقافة التي تسود في المدن التي نقيم فيها وعلى افتراض أن جميع مدننا – وخاصة من ناحية المسؤولين عليها – تعكس أهمية الاعتقاد في جدوى "ترهين" الثقافة/ الثقافات. ويمكن أن نستدل، وبشكل أوضح، على هذه الفكرة بمدينة أصيلة التي أقيم بها. هذه المدينة التي تنظم مهرجانات صيفية تستدعى لها جحافل من المثقفين والمفكرين والإعلاميين على مدار شهر غشت، ولتعود المدينة بعد ذلك إلى صورتها الاجتماعية القاسية وعلى إيقاع، حتى نبقى في نطاق الثقافة، غياب مكتبة عامة يأوي إليها أبناء الشعب. لنتصور هذه المعضلة أو المفارقة المدوية؟ إن ما سلف لم يكن يفارق ما يدخل في نطاق العلاقة المفترضة التي تصل المدينة بالثقافة بعيدا عن دائرة الاستثمار والتجارة والموضة، هذا بالإضافة إلى أن مثل هذه العلاقات جديرة بأن تحمي مدننا من "التصحر" الذي يطال، والأمر بالفعل، "مخيالنا الاجتماعي" إذا جاز هذا المفهوم المبلور في حقل الدراسات الأنثروبولوجية. فالمدينة لا يمكنها أن تكون مجرد إسمنت وقصور فقط، وإنما هي ــ وفي المقام الأول ــ ذاكرة وأمكنة ورؤى وتطلعات أيضا. ثمة متنفس لها يقع في هذا التماس مع الثقافة التي توجد أمامنا وخلفنا كما قال كلود ليفي شتراوس. وحتى أعود إلى نص المقدمة كانت المناسبة الأولى هي دعوة وجهها لي صديق سابق، منذ أعوام الدراسة الجامعية في كلية الآداب بمرتيل بتطوان، كي أباشر مسرحية له وبالتالي أبدي وجهة نظري حولها. ولم أستغرب أن يستهوي المسرح هذا الطالب الذي كان متخصصا في التاريخ، وقبل ذلك كان مناضلا في صفوف الحركة الطلابية في تلك الفترة التي كانت تشهد فعلا على آخر أستار "ماكينات الإيديولوجيا". قلت بيني وبين نفسي لا بد من أن أرحل إلى مدينة العرائش القريبة التي تعرض فيها المسرحية حتى وإن كنت لا أميل أكثر إلى المسرح. وكانت حجتي أن أكتفي بالإنصات لـ"النص" فقط، ومدى تواشج هذا الأخير مع "الثقافة" التي استهلت بها الحديث. هذا بالإضافة إلى أن مثل هذا الحضور – كما قلت – قد يدفع بعض اللبس من شكاوى الكثيرين، وخصوصا من البسطاء الصادقين، من "المثقفين" الذين لا يتحركون إلا بدافع من "التعويض" و"الفنادق المصنفة". وفعلا وجدت سينما "ابي نيدا" الشهيرة بالعرائش شبه مملوءة، مما يدل على "تعطش" الجمهور للفن والإبداع. هذا الجمهور الذي لم يخل من شغب، غير أن شغبه لم يبلغ حد إيقاف المسرحية كما يحدث في المدن الهامشية غير ذات الصلة بدور المسارح العتيقة. لقد كان حضور الصديق مراد محوريا في المسرحية، موازاة مع حضور العديد من زملائه؛ مثلما كان لحضور الموسيقى حيزا أكبر في دلالة على معهد الموسيقى بهذه المدينة العريقة. إلا أن ما لفت انتباهي أكثر ليس حضور الشعر، وإنما انشداد المسرحية ومن أولها إلى آخرها إلى الشعر. فما الذي لا يزال يمنع العديد من مسرحيينا من التفكير في توظيف اللغة العامية التي لا تخلو بدورها من "فصحى" أو على الأقل "اللغة الثالثة" تفاديا لـ"التطرف اللهجي". يبدو أنه ثمة "عقدة" على هذا المستوى، وهذه الفكرة سبق لي أن قلتها لزملائي في فرقة "اللقاء المسرحي" بأصيلة الذين يلخصون المسرح في الشعر أو "أبجدية الاحتراق" كما ينعتون العملية. أما النشاط الثاني فكان هذه المرة بمدينة فاس ذات الوقع في الثقافة المغربية، وكانت المناسبة الدورة الأكاديمية التي نظمها بيت الشعر بالمغرب استحضارا لروح الشاعر المغربي الراحل محمد الطوبي. وأهمية اللقاء، في نظري، كانت نابعة من إلزام كل متدخل بالحديث عن شاعر محدد، وهي خطوة لا تخلو من كبير أهمية بالنظر إلى الحديث عن الشعر بشكل عام وبطريقة تنطبق على أكثر من شاعر دون أن تنطبق على شاعر بعينه. ومن ناحية صلة الثقافة بالمدينة فالملاحظ أن الحضور كان أغلبه من الطلبة الباحثين في السلك الثالث، وما يدل على ذلك الطريقة اللافتة التي كان هؤلاء يدونون بها الأفكار في دلالة على محاولة تحصيل أكبر قدر ممكن من المعلومات حول هذا الشاعر أو ذاك. نعم حضرت الوجوه المألوفة بفاس عربون محبة، وغابت أخرى. وبين الحضور، والحضور الطلابي الغالب، والغياب ما يقيس حضور الثقافة ذاتها؟ اللقاء الثالث والأخير كان لمناسبة تكريم الشاعر حسن نجمي بمدينة مراكش البعيدة. ونشاط من هذا الحجم لا يبدو غريبا أن يحضره كتاب ومثقفون كثيرون بالنظر إلى صداقات المحتفى به. وكان في مقدم الحاضرين إدريس الخوري أو "بَ إدريس" كما دأب الأصدقاء على نعته. هذا على الرغم من إضراب بعض وسائل الإعلام عن إعلان النشاط، وهذا موضوع آخر قد يقودنا إلى "العفن الإعلامي الحزبي". وقد ساهمت في النشاط أطراف عديدة ذات صلة بالفن التشكيلي والبحث الفلسفي، ودون أن نتغافل عن الفنان التشكيلي أحمد بن إسماعيل الذي كان له الفضل الأكبر في إنجاح هذا النشاط. وقد كان النشاط ناجحا على أكثر من مستوى. ولا أظن أن يحضر جمهوره في نشاط آخر؟ يبدو واضحا من خلال ما سلف أن الحديث عن هذه الأنشطة لم يكن يدخل في نطاق أي نوع من الحديث عن الذات حتى وإن كانت هذه الذات حاضرة إضافة إلى أنه لا يمكن إقصاؤها. كانت الغاية هي الإشارة الموجزة إلى أن حضور الثقافة لا زال محكوما بدوافع تقع خارج الثقافة ذاتها. فلقاءاتنا لا تزال عاجزة عن استقطاب الأجيال الجديدة الغارقة في الدوائر السالبة لـ"الانفجار الإعلامي" و"التصحر الخيالي". ذلك هو دور ثقافتنا على مستوى "المقاومة" بمعناها المبلور في مصنفات "النقد الثقافي".
18 janvier 2007

القنب الهندي ومحاربة المخدرات

كمدخل للموضوع أريد أن أبين للقراء أن نبات القنب الهندي لم يكن من أصل مغربي ولم يكن يعرفه  المغاربة من قبل، حيث ظهر لأول مرة حوالي سنة 1912، وكما هو معروف فان هذه السنة تم فرض الحماية على المغرب، حيث قامت اسبانيا بإدخال جيوشها إلى هذه المنطقة وإقامة معسكرات بها، وأول معسكر اسباني في شمال المغرب تم إنشاؤه في المنطقة المعروفة بالسهل الأصفر" LLANO AMARILLO"، وهي نفس المنطقة التي أصبحت فيما بعد تسمى بكتامة، وجل الجنود الذين يتكون منهم هذا المعسكر هم جنود كان قد تم طردهم من دول أمريكا اللاتينية التي عانت لمدة طويلة من الاستعمار الاسباني إلى أن تم محاربتهم وطردهم من تلك الدول.

وبما أن نبات القنب الهندي أصله من هذه الدول اللاتينية فان الجنود المكونين لهذا المعسكر كانوا يتعاطون إلى هذا النوع من المخدرات، وجلبوا معهم بذورها وقاموا بزرعها في هذه المنطقة من اجل استهلاكها فيما بينهم، غير انه ومع مرور الزمن اتسع استهلاكها ليشمل سكان المنطقة الذين كان لهم احتكاك بأولئك الجنود، حيث استمر الحال إلى أن تم تجنيد المغاربة في صفوف الجيش الاسباني استعدادا للحرب الأهلية الاسبانية وبهذا الاختلاط بين الجنود الاسبان والمغاربة اتسعت رقعة الاستهلاك بين المغاربة.

وأثناء الحرب الأهلية الاسبانية كان الجنود المغاربة يتوصلون بحصتهم من هذا المخدر بصفة رسمية.

وعند انتهاء الحرب الأهلية الاسبانية كانت زراعة هذا المخدر شملت جميع مناطق كتامة نظرا لكثرة الطلب عليها.

ونظرا لتفاحش هذه الظاهرة عملت السلطات الاسبانية على تقنين زراعة وتجارة نبات القنب الهندي والتبغ حيث أصدرت مرسوما بمثابة قانون يسمح بموجبه لمنطقة كتامة بزراعة القنب الهندي ولقبيلة بني خالد زراعة التبغ، غير أن محصول هذه النباتات يجب تسليمه إلى شركة التبغ بتطوان والتي يسمح لها بدورها ببيعه إلى العموم عن طريق المتاجر المخصصة لبيع التبغ الموجودة بالمدينة العتيقة فقط، وبهذه الطريقة تمت إباحة التجارة في هذا المخدر واستمر الحال على هذه الطريقة إلى أن أصبحت اسبانيا عضوا في الأمم المتحدة في غضون سنة 1952 حيث كانت مجبرة بواسطة الاتفاقية الدولية على إلغاء بيع هذا النبات إلى العموم كما كان من قبل، غير انه لم تمنع زراعته، وهكذا استمرت زراعته وبيع محصوله إلى شركة التبغ، وفي نفس الوقت قامت السلطات الاسبانية بتنظيم حملات تحسيسية ضد تعاطي هذا النوع من المخدر نظرا لكونه يسبب مرض السل، غير أن هذه الحملات لم تنجح بسبب كثرة المتعاطين له واستمر الحال كما كان عليه رغم منع بيعه إلى العموم.

وعند حصول المغرب على استقلاله ورث من الاسبان هذه المشكلة حيث ازداد عدد المستهلكين لها.

ولما حاول المغرب محاربة هذه الظاهرة تبين له انه لا يستطع ذلك لعدم توفره على الوسائل التقنية والمادية لهذه الغاية التي كانت تحتاج إلى إيجاد بديل لهذه الزراعة والتي أصبحت المورد الوحيد لعدد كبير من المزارعين.

وأمام هذا الواقع لجأ المغرب إلى طلب المساعدة الدولية للقضاء على هذه الزراعة، غير أن طلب المغرب كان يتم إحباطه من طرف الحكومة الاسبانية التي كانت تسعى إلى تشويه سمعة المغرب مع الدول الأوربية مستعملة ملفات المخدرات والهجرة السرية والأصولية والصحراء، كل هذا كانت تستعمله اسبانيا من اجل الحصول على تراخيص للصيد من طرف المغرب وجعل كل مساعدة المجموعة الأوربية تتم عبرها.

وكما هو معلوم فان استهلاك هذا النوع من المخدر لم تكن تعرفه الدول الأوربية من قبل إلى أن تم إدخاله عبر اسبانيا حيث انتشر استهلاكه فيها بواسطة الجنود الذين كانوا يقضون خدمتهم العسكرية في المغرب وزاد استفحال هذا الاستهلاك في اسبانيا عندما تم رحيل جميع جنودها إلى اسبانيا عندما أحرز المغرب على استقلاله.

وأدى هذا الأمر أي الزيادة في الطلب، إلى اتساع هذه  الزراعة ومعها انتشار التهريب لهذه المادة بين اسبانيا والمغرب ، والى حدود سنة 1960 كانت تصدر هذه المخدرات على شكل أعشاب، وبعد هذه السنة انتقل بعض أفراد عصابات الاتجار الدولي في المخدرات من أصل هولندي إلى كتامة حيث قاموا بتعليم الفلاحين الذين يتعاطون هذه الزراعة بتحويلها إلى صفائح الحشيش كما هي معروفة الآن في الأسواق الدولية.

وأمام هذا التطور في ميدان هذه الزراعة وإباحة التعاطي لهذا المخدر باعتبار انه اقل ضررا بالنسبة للمخدرات الأخرى زاد الطلب على هذا المخدر ومعه اتسعت رقعة الزراعة ومعه أصبح المغرب عاجزا على محاربة هذه الزراعة لوحده مما دفعه إلى طلب الإعانة الدولية، ونظرا للدور السلبي الذي لعبته اسبانيا داخل المجموعة الأوربية بتسييس هذه القضية وخلطها مع باقي الملفات، كملف الصحراء وحقوق الإنسان والهجرة السرية، ومحاربة الأصولية، بقيت قضية محاربة المخدرات بعيدة عن الحل، نظرا لكون المساعدات التي تقدم إلى المغرب هي مساعدات سياسية لا غير.

أما فيما يخص محاربة زراعة المخدرات فيجب أن توضع في قالبها الخاص الذي يشمل دراسات علمية في نطاق إيجاد البديل لهذه الزراعة مع تحسيس الفلاحين بهذا التغيير وتهيئتهم له مع ضمانات عيشهم الكريم إلى أن يتم هذا الاستبدال.

ومن اجل هذا يجب على المغرب أن يطرح أمام الدول المعنية بهذه القضية أن تتفهم هذه الوضعية وتعمل على عدم خلط هذا الملف بالملفات الأخرى وان تتحمل مسؤوليتها المعنوية في تشجيع هذه الزراعة، نظرا لكون سياستها الإباحية لتعاطي هذه المخدرات لم تكن إلا تشجيعا للمزيد من الزراعة ووضع عراقيل إضافية للمغرب في نطاق محاربته للمخدرات.

أما بالنسبة لاسبانيا، فان مسئوليتها اكبر وأعظم من ذلك من حيث أنها هي التي أدخلت هذه الزراعة إلى المغرب وقننتها وأباحت بيعها إلى العموم تم تركتها إلى أن ورثها المغرب.

ومن جهة أخرى فان الصحف الدولية تتكلم عن المردودية السنوية لهذا النوع من التجارة وهي أرقام خيالية لا يستطيع الإنسان أن يتخيلها، وهنا يجب أن نطرح السؤال المحير، وهو : أين توجد هذه الأموال ومن المستفيد منها ؟ طبعا المغرب لن يستفيد من هذه الأموال إذا نظرنا إلى إحصائيات مردودية هذه التجارة، وحتى بالنسبة لبعض المغاربة الذين يتعاطون إلى الاتجار الدولي للمخدرات نجد أن جميع أموالهم إما هي مستثمرة أو مودعة في دول أجنبية التي تستفيد منها.

وعليه فأتمنى أن تكون مساهمتي المتواضعة هذه سبب التأمل وإعادة النظر في هذا المشكل من طرف جميع الهيآت والمؤسسات حتى نتمكن من إعطائها الأبعاد التي يجب على ضوء تحمل المسؤوليات على النطاق الدولي وليس على النطاق الوطني فقط.

- حسن العمراني -

Publicité
1 2 3 4 5 6 > >>
Publicité